تعتبر القصيده الزينبيه للشاعر صالح عبدالقدوس من اروع واجمل القصائد فهي مليئه بالحكم والنصائح والزهد ... ومن اجمل ماقرأة من الشعر الفصيح ..
صَرَمتْ حِبالَكَ بعد وَصلكَ زينبُ | والدَّهرُ فيهِ تَغيَّرٌ وتَقَلُّبُ |
نَشَرتْ ذوائِبَها التي تَزهو بها | سُوداً ورأسُك كالثُّغامَةِ أشيَبُ |
واستنفرتْ لمّا رأتْكَ وطالما | كانتْ تحنُّ إلى لقاكَ وتَرغبْ |
وكذاكَ وصلُ الغانياتِ فإنه | آل ببلقَعَةٍ وبَرْقٌ خُلَّبُ |
فدَّعِ الصِّبا فلقدْ عداكَ زمانُهُ | وازهَدْ فعُمرُكَ مرَّ منهُ الأطيَبُ |
ذهبَ الشبابُ فما له منْ عودةٍ | وأتَى المشيبُ فأينَ منهُ المَهربُ |
دَعْ عنكَ ما قد كانَ في زمنِ الصِّبا | واذكُر ذنوبَكَ وابِكها يا مُذنبُ |
واذكرْ مناقشةَ الحسابِ فإنه | لا بَدَّ يُحصي ما جنيتَ ويَكتُبُ |
لم ينسَهُ الملَكانِ حينَ نسيتَهُ | بل أثبتاهُ وأنتَ لاهٍ تلعبُ |
والرُّوحُ فيكَ وديعةٌ أودعتَها | ستَردُّها بالرغمِ منكَ وتُسلَبُ |
وغرورُ دنياكَ التي تسعى لها | دارٌ حقيقتُها متاعٌ يذهبُ |
والليلُ فاعلمْ والنهارُ كلاهما | أنفاسُنا فيها تُعدُّ وتُحسبُ |
وجميعُ ما خلَّفتَهُ وجمعتَهُ | حقاً يَقيناً بعدَ موتِكَ يُنهبُ |
تَبَّاً لدارٍ لا يدومُ نعيمُها | ومَشيدُها عمّا قليلٍ يَخربُ |
فاسمعْ هُديتَ نصيحةً أولاكَها | بَرٌّ نَصوحٌ للأنامِ مُجرِّبُ |
صَحِبَ الزَّمانَ وأهلَه مُستبصراً | ورأى الأمورَ بما تؤوبُ وتَعقُبُ |
لا تأمَنِ الدَّهرَ الخَؤُونَ فإنهُ | ما زالَ قِدْماً للرِّجالِ يُؤدِّبُ |
وعواقِبُ الأيامِ في غَصَّاتِها | مَضَضٌ يُذَلُّ لهُ الأعزُّ الأنْجَبْ |
فعليكَ تقوى اللهِ فالزمْها تفزْ | إنّ التَّقيَّ هوَ البَهيُّ الأهيَبُ |
واعملْ بطاعتِهِ تنلْ منهُ الرِّضا | إن المطيعَ لهُ لديهِ مُقرَّبُ |
واقنعْ ففي بعضِ القناعةِ راحةٌ | واليأسُ ممّا فاتَ فهوَ المَطْلبُ |
فإذا طَمِعتَ كُسيتَ ثوبَ مذلَّةٍ | فلقدْ كُسيَ ثوبَ المَذلَّةِ أشعبُ |
وتَوَقَّ منْ غَدْرِ النِّساءِ خيانةً | فجميعُهُنَّ مكايدٌ لكَ تُنصَبُ |
لا تأمنِ الأنثى حياتَكَ إنها | كالأفعُوانِ يُراغُ منهُ الأنيبُ |
لا تأمنِ الأُنثى زمانَكَ كُلَّهُ | يوماً ولوْ حَلَفتْ يميناً تكذِبُ |
تُغري بلينِ حديثِها وكلامِها | وإذا سَطَتْ فهيَ الصَّقيلُ الأشطَبُ |
وابدأْ عَدوَّكَ بالتحيّةِ ولتَكُنْ | منهُ زمانَكَ خائفاً تترقَّبُ |
واحذرهُ إن لاقيتَهُ مُتَبَسِّماً | فالليثُ يبدو نابُهُ إذْ يغْضَبُ |
إنَّ العدوُّ وإنْ تقادَمَ عهدُهُ | فالحقدُ باقٍ في الصُّدورِ مُغيَّبُ |
وإذا الصَّديقٌ لقيتَهُ مُتملِّقاً | فهوَ العدوُّ وحقُّهُ يُتجنَّبُ |
لا خيرَ في ودِّ امريءٍ مُتملِّقٍ | حُلوِ اللسانِ وقلبهُ يتلهَّبُ |
يلقاكَ يحلفُ أنه بكَ واثقٌ | وإذا توارَى عنكَ فهوَ العقرَبُ |
يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً | ويَروغُ منكَ كما يروغُ الثّعلبُ |
وَصِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ | فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصوَبُ |
واخترْ قرينَكَ واصطنعهُ تفاخراً | إنَّ القرينَ إلى المُقارنِ يُنسبُ |
إنَّ الغنيَ من الرجالِ مُكرَّمٌ | وتراهُ يُرجى ما لديهِ ويُرهبُ |
ويُبَشُّ بالتَّرحيبِ عندَ قدومِهِ | ويُقامُ عندَ سلامهِ ويُقرَّبُ |
والفقرُ شينٌ للرِّجالِ فإنه | حقاً يهونُ به الشَّريفُ الأنسبُ |
واخفضْ جناحَكَ للأقاربِ كُلِّهمْ | بتذلُّلٍ واسمحْ لهمْ إن أذنبوا |
ودعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لكَ صاحباً | إنَّ الكذوبَ يشينُ حُراً يَصحبُ |
وزنِ الكلامَ إذا نطقتَ ولا تكنْ | ثرثارةً في كلِّ نادٍ تخطُبُ |
واحفظْ لسانَكَ واحترزْ من لفظِهِ | فالمرءُ يَسلَمُ باللسانِ ويُعطَبُ |
والسِّرُّ فاكتمهُ ولا تنطُقْ بهِ | إنَّ الزجاجةَ كسرُها لا يُشعَبُ |
وكذاكَ سرُّ المرءِ إنْ لمْ يُطوهِ | نشرتْهُ ألسنةٌ تزيدُ وتكذِبُ |
لا تحرِصَنْ فالحِرصُ ليسَ بزائدٍ | في الرِّزقِ بل يشقى الحريصُ ويتعبُ |
ويظلُّ ملهوفاً يرومُ تحيّلاً | والرِّزقُ ليسَ بحيلةٍ يُستجلَبُ |
كم عاجزٍ في الناسِ يأتي رزقُهُ | رغَداً ويُحرَمُ كَيِّسٌ ويُخيَّبُ |
وارعَ الأمانةَ ، والخيانةَ فاجتنبْ | واعدِلْ ولا تظلمْ يَطبْ لكَ مكسَبُ |
وإذا أصابكَ نكبةٌ فاصبرْ لها | من ذا رأيتَ مسلَّماً لا يُنْكبُ |
وإذا رُميتَ من الزمانِ بريبةٍ | أو نالكَ الأمرُ الأشقُّ الأصعبُ |
فاضرعْ لربّك إنه أدنى لمنْ | يدعوهُ من حبلِ الوريدِ وأقربُ |
كُنْ ما استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ | إنَّ الكثيرَ من الوَرَى لا يُصحبُ |
واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّهُ | يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ |
واحذرْ من المظلومِ سَهماً صائباً | واعلمْ بأنَّ دعاءَهُ لا يُحجَبُ |
وإذا رأيتَ الرِّزقَ عَزَّ ببلدةٍ | وخشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ |
فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعةَ الفَضَا | طولاً وعَرضاً شرقُها والمغرِبُ |
فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي | فالنُّصحُ أغلى ما يُباعُ ويُوهَبُ |
No comments:
Post a Comment